الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

إنفـــرادات جبــران ..

إنفـــرادات جبــران ..

كنت اسمع كثيراً ان ثمة عفاريت تكون قرينة للمرء تُملي عليه مايكتب ماان تدق صافرة الشغف معلنة عن رسوها على شواطئ القلم و داعية لتفريغ مكنوناتها على المداد الأبيض..كان العم ابووسام,رجل سبعيني يمتلك مكتبة في أزقة صيداء القديمة عملت لديه لخمس سنوات,اذا قرأت له كتاب ولم يفهم مايريد الكاتب البوح به يغير من جلسته ثم يقول بعد ان ينفث دخان سيجارته"قطعي هالجملة بيكون صاحبه راكبو عفريت ساعة ماكتبه!!"كنت أتمنى لو أن لي قرين من الجن يملي علي ماأكتبه..أنطوان عندما سألته مره ان كان له قرين غُشيّ عليه من الضحك..
في تشرين2003 طُلب منّا في الجامعة إعداد مشروع مصغر لا يتجاوز العشرين صفحة..كان البحث عن فكرة بحجم "أنا هنا" متعب و مؤرق..خصوصاً في الأدب الإنجليزي..كانت العادة تأخذنِ دائماً بتجاه شكسبير و ديكنز و ملتون و درايدن و غيرهم من ماكان زملاء الجامعة يرددون..لكن ماان أبدأ بالبحث عن مراجع لأفكاري أشعر بسطحية ماأقدم!
في أول مرة أخبرت فيها انطوان انه وقع اختياري على فكرة دعى كل أصدقائنا على حفلة شواء على البحر..و في المرة الثانية اجتمعنا في الروشن..و مع توالي المرات كان الإحباط في ان ابقى على فكرة حتى اللحظة الاخيرة قد تمكنّ من انطوان و بقية رفاقِ.. لربما انا ساخطة عادة على ذاتي..
في الساعة الحادية عشر من نهار الرابع و العشرين من تشرين هربت من الجامعة بعد ان ضاق المكان باللمسات الاخيرة لأفكار زملائي..تحدثت لأنطوان مستائة و كالعادة التقطني من صوتي..طلب مني ان نتقابل في الجريدة..
وفي أحد الممرات المؤدية الى مكتب انطوان..كان جبران يهم بالصعود الى مكتبه..وجيوش الهم تنهزم امام ابتسامة جبران النقية..لجبران وهج مختلف خصوصاً لدى جيلنا نحن الشباب..
اخذنا نتحدث فسألني عن ماتوصلت اليه في شأن مشروع الجامعة..أخبرته انه نتيجة لإحباطاتي المتكررة قررت ان اكتب عن شكسبير و ان هذه من أكثر الأفكار رواجاً و يسهل البحث فيها..ابتسم و اخذ يدي فتبعته..
دخلنا احد المكاتب فإذا بشخص يٌعرفني عليه جبران..قال هذا شاب متدرب لدينا..التحق منذ شهر بالجريدة..هو فنان كاريكاتير!لم أستوعب شيئاً من الأمر..سأله جبران هل من جديد هذا الأسبوع..فرد الشاب على حياء:"لا بعد لهلا"..ابتسم جبران وقال:"بس قَلِّت الصور الي على التبلو"فقال الشاب:"يمكن راح وصل على مطرح"..
خرجنا من مكتب ذالك الشاب و لم افهم شيء بالمرة..سألت جبران بمجرد ان اغلق باب مكتب ذالك الشاب عن مغزى مافعل؟!
اخبرني جبران ان هذا الشاب قضى اول يوم في العمل و هو يثبت رسوم كاريكاتير لمختلف الرسامين على اللوحة التي أمام مكتبه!و بالفعل لفتني حينها رسومات لستافرو جبرا و علي فرزات و غيرهم..بالمناسبة كان علي فرزات في ذالك الوقت من المقربين لبشار الأسد كما يشاع ومع ذالك لم يمنع جبران هذا الشاب من وضع رسوماته داخل مؤسسة النهار او ان يمنع توظيف الشاب رغم انه من المعجبين بفرزات!!جبران يعشق التضاد..
المهم..سألت جبران عن ماإذا كان يريد مما فعل ان ينقل لي نموذجاً لشابٍ شغوف! ابتسم واخبرني أن هذا الشاب وضع هذه الرسومات أمامه و ماأن يبدأ برسم فكرته يقوم بتمزيقها و معها يمزق أحد الرسومات التي على اللوحة..وعندما سأله البعض عن السبب أخبرهم أنه اذا تبلورت الفكرة لديه على الورق لمسّ تشابه بينها وبين أحد الرسومات القابعة أمامه..عندها يقوم بتمزيق لوحته و مايشك انها تماثل فكرته..والسبب انه يبحث عن ولادة فكرة وليس عن تربية أفكار!!
نظر الي جبران فقال"فكرتك ملكك..مغفايه بمطرح مابيعرفه غيرك..أفكار غيرك مش ملكك..بدك تتعبي ع شي إلك أو ع شي لغيرك؟!"
أذكر ان حينها شعرت ان جبران انتشلني من شيء ما..هكذا هو جبران..مشكاة ضوء تنير البصائر و ليست الأبصار فحسب..
اذكر اني مكثت يوماً كاملاً في مكتبة العم أبو وسام..لم أتحدث سوى لأفكاري و لم أسمع سوى صرير الشجرة الكبيرة خارجاً كلما هبت عليها شيئاً من رياح تشرين..لم أخرج حينها الى الضوء إلا بعدما أمتلأت أكوام الجليد أمامي بأفكاري..فكتبت يومها في الأدب الأنجلوساكسوني و ملحمة بيوولف..
كم أشتاق و الجميع لإنفرادات جبران...

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

سأكتبـــــــــني..

سأكـتبــــــــــني..

أعلم أن ثمة أشياء تبعدني عن ذاتي لوقت و أشياء أخرى لا تُشبِهها تعيدني اليها من جديد..قديماً كنت لا اخلد الى سريري قبل أن أمد جسدي المثقل على السطور لتحمل عني مايرعب عيناي..سطوري تطرد سهدي بعيداً..

أنا ابسط بكثير من كل مااعرفه..كل ماأمتلكه..او بالأصح انا ابسط من ماحمّلني القدر..قدري الفريد..وكم اعشق قدري..
رغم إيماني ببساطة ماأعرف الا انني أخشى البوح به علانية لسطوري..انا طالبة في مدرسة المكاشفة التامة مع الحرف..إما أن اتعرى كاملة
أمام حرفي أو ستخجل الحروف مني و تدير ظهرها اليَ..وويلي على من أدرات الحروف ظهراً اليه..
منذ قرابة الستة سنوات و انا و الحرف في مغازلة و ملاطفة كما كان يقولها لي صديقي جهاد..
جهاد كان أحد الأصدقاء في جريدة النهار..خاطبني مرة أثناء زيارتي الى لبنان في تشرين 2008..ألتقينا حينها في قهوة الزجاج بصيدا..كان يتحدث عن أحد المدونات التي عرضت عليه ان يكتب شيئاً عن جبران تويني في ذكرى استشهاده..و بدأنا انا وهو بجرد الذكريات..فجأة برد المكان و خـَفت الضوء..انخفض صوت ام كلثوم و ضاعت أصوات الأشخاص..غرِقنا انا و هو في ذكرياتنا مع جبران..جمعتنا قهوة الزجاج كثيراً..أذكر ان ليلتها رأيت دمعة جهاد على خده شوقاً لجبران..لا نعرف حتى هذه اللحظة كيف حملتنا أقدامنا خارج المكان هرباً من ذواتنا..وصباحاً وجدت رسالة على جهازي..كتب جهاد:"قدرنا وضعنا في طريق جبران و جبران ليس على طريقنا الأن..انانية أن يتحدثون هم عنه و نحن مازلنا نهرب منه".
على طريق المطار كانت أصوات أصحابي ممزوجة بإبتسامات مزيفة بتً أعرفها تماماً في كل مرة أودع فيها بيروت..الا ان جهاد لم يتفوه بكلمة..اعتدت ان اركب الطائرة و في اذني صوت مهاتراته على كل لوحة من لوح الإعلانات التي تحجب طريق المطار..
في المطار همس الي:"أكتبي و لا تقتلي شوق حروفك لجبران و أصدقائنا..ان اغتالوهم من ساحة الحرية فلن نغتالهم نحن من ساحة الحرف".
اليوم..حدثني جهاد من باريس..كعادته الجميلة..ومع الحديث سألني على حين غفلة "هل مازلتي جبانة؟"..أقرأ جهاد أكثر من ذاته..ورغم ذالك تجاوزت سؤاله..ويالعناد جهاد..
لا يقتنع أصحابي اني مازلت أعيش كل من رحل..مازلت حتى الأن لا أطيق فكرة الموت و لو من باب النكتة..مازلت حتى اليوم لاأقدر على المكوث في بيروت لأكثر من اسبوع دون عمل يلهيني عن تفاصيلها..لا زلت أباعد بين خطواتي اذا مررت بجوار قهوة الزجاج..مازال صدري يضيق كلما مررت بالحرية..مازال مشهد جبران و بيار و صديقي بوشاحهم الأبيض بالأحمر على أكتافهم قابع أمام عينيّ كلما أجبرتني الخطوات على المرور بساحة الحرية او ساحة النجمة..أعلم انه جنون..لكن لا أكترث لكل مايقوله أصدقائي عن جنوني..
أتخيل كثيراً حياتي لو أن القدر لم يضعني بطريق صديقي انطوان و لم يأخذني معه ذالك المساء الى عالمه..عالم الوطن..عالم تضحيات جبران و سمير و قصير..عالم انطوان..
دائماً ابدأ من جديد لإرضاء خوف اصدقائي عليَ..بالمناسبة لاأحب ان يخاف أحد عليَ..ان أعيش بذكرى و لذكرى من أحب ليس مرعباً..دائماً ابدأ من جديد الا انني في لحظة سهونة أعود الى حطامي سريعاً..لماذا نستغرق وقتاً اطول اذا ماقررنا ان نقف للحياة من جديد بينما لا نأخذ ثواني عندما نقرر ان نتهاوى؟
سأبوح بسر..لا أكتب عن حياتي او عن مواقف جمعتني بأشخاص ليس خوفاً من لملمت حالي بعد ان يقف نزف الحرف..لا.
انا لا أكتب لأنني ميته..منذ سنة الإغتيالات انا ميته..هذا عدا انني لو كتبت عن أصحاب الزمن الجميل فسأمجد القدر الذي جمعني بالمصادفة بهم..وكيف أمجد القدر و هو من أختطفهم مني..هل أعتدنا ان نمجد من يسيء الينا؟!
مايحملني دائماً على الفخر بحياتي و مالفها من تعب و معاناة وانا أخبر شيئاً مني لشخص أتعرف عليه حديثاً هو اني في النهايات أحمل في رزنامة حياتي ذكرياتي مع أشخاص صنعوني بكرمهم..حبهم ..حنانهم و صدقهم..انتشلوني بجنونهم و شغفهم..أيقضوا الحلم في عيني العانيتين..
ربما أصبحت أقدر على إدعاء انني اليوم أكثر جرأة على الحديث عن حياتي مع انطوان رغم غيابه..أصبحت قدماي اكثر تشبثاً بالأرض وانا أقف على ضريحه..أصبحت أقدر على ضبط سيل دموعي وانا أرى العظيمة مي شدياق وهي تصافح الجميع في ذكرى القوات الأخيرة..أضحيت أكثر قسوة وانا أسمع مهاترات من يستسخف قضيتي..و قضية كل لبناني ضاقت العدالة بقضيته ذرعاً..اليوم أنا أقوى عندما اتحدث عن مصادفات زمني الجميل و ان سلبوا مني ارادتي في العيش..فحروفي غداً عن اصدقائي ليست نفساً اعيش به و انما صرخة..فانا اعترف ان بعضي مازال يقبع تحت ركامي وان حاول الجميع من حولي انتشالي بمحبتهم التي تعمرني وان كنت بتطرفي المعهود عني اهدم شيئاً مني..
أصدقائي..قررت ان اكتب صرختي..او لأكون قوسية كما عهدتموني سأحاول ان أكتبني..أحبكم......

الخميس، 6 أكتوبر 2011

هَــذَيــَــــــــــان..


هَــذَيــَــــــــــان..

هَجرتُها منذ أخر وقفاتي هناك..حيث الأشياء التي تُشبِهَنَي..حيث مراتع التلعثم،حدائق البرائة،غابة الجنون،سهول النضج و أنهار العشق و أضرحة المحبين التي مازالت ضاربةً في أحضاني بقوتها الصاخبةِ التي تنعش كل أجزائي..فبالحب جِئـتُ و له عِشتٌ و من أجله سأفنى..
هجرتُ السطور و الكلمات و حملني الحرف معه رحلةً لا تمل و لا تكل.. أفتش عنه مع الأخر مكملاً جماليته..أيا يكن هذا الأخر..لا أعلم متى مواعيدي معه..أتعلثم مازلت ان سألني أحدا متى يراني من جديد متصالحة معه..لا أخشى الرقص معه على نغمات الماجدة..فكلماتي ككلماتها مع نزار..وليدة اللحظة لا تعلم متى بُثت فيها الروح و لا متى سيشهدُ العالم اول صرخاتها..أجهل تاريخ عودتي القادمة اليها..حروفي كبيروت..تغضب مني..تأخذني في حضنها شغف عاشقين و ماأن أستنشق الصعداء أعود لحياتي في بقعة بعيدة..لا اعود لها إلا بحزنٍ او وقوفٍ على أطلال الحاضر..ماأقسى أجحاف المحبين على كراسي اللقاء الاول..
هَجرتُها لفترةٍ ظننت فيها انني لن أُفرق ان عدت من جديد اليها هل سأتذكر فلسفة أنطوان في النقاط..هل سأذكر جمالية زغيب في فنون الإسقاطات..هل سأميز بين التاء المربوطة و المفتوحة كما فندها بيار..لكني مشتاقةٌ اليها وحسب..تماماً كمن تضطره الحرب ان يهجر مدينته المدمرة..نعم حروفي الأخيرة كانت كمدينة مدمرةٍ فهجرتُها..و اليوم أعود اليها..لكني لا افتش عن المدينة و حسب..افتش عن ساكِنيها..كعاشق مهاجر عَتق دمعته بشوقه لحبيبته حيناً و بطينة أرضه حيناً أخر..
كل المهاجرين ان سألتهم متى العودة يتلعثمون..يجهلون متى العودة للوطن كجهلهم متى يعودون لتراب..التراب هو الوطن..الحرف هو الوطن..
لم أعلم ان عودتي ستكون اليوم..مطاري هذا المساء..كل ماأذكره اني أدرت المسجلة على مقطوعة ريتشارد كلايدرمان..أزحت البردة على رقصات نسمات أخر المساء..فتحت جهازي المحمول..و انهالت أناملي كقبلاتٍ على أزرارِ جهازي..منذ زمن لم أكتب بهذا الصخب..بهذا الإندفاع..كلما على رِتم الموسيقى زادت قبلاتي و كلما هدأ رتمها حن شغف قبلاتي..أنا كماءٍ سدَ طريقه فجأةً صخرةً حبست ثورته من خلفها..و بصلواته لرب زاحت هذه الصخرة فندفع يميناً و شمالاً..بعنفوانه..بشفافيته و بصدقه..ماأجمل ان تهجر الحرف وقتاً لتعود اليه و كُلَكَ شغفٌ اليه..ستكتب دون تفكير..دون تنقيح..دون جاجةٍ للوقوف تكراراً..سَتنساب بصخب المجنون و حنية البرائة..يالجنوني..أطرافي ترتجف ان توقفت عن الكتابة..تَذكرتُكَ..
مازلت أرجف ماان اسمع معزوفات كلايدرمان..مازلت اضع هذا التسجيل قبل ملابسي عنما أهم بالسفر..مازلت أضع أحدهما بين ملابسي تحسباً لحرارة الشمس و الأخر أحمله في حقيبة يدي..مازال فضل يغار اذا خاطبني مساءً و انا منتشيةٌ معه..مازلت اتذكر أطرافي الراجفة..انفاسي المتصاعدة..مازلت أذكر قرصات البرد..مازلت أتذكر حرارة الكون من حولي يوم ان رقص أمامي فرحاً بحديثك عني لأصحابك علانيةً ليصمت كل من في المكان محدقين اليَ و بشفاههم أماني و صلوات..
عِشتُ معكَ..و عِشتُ من بَعدكَ..ولم أعش من قبلكَ..
عرفتُ معكَ الأشياء..و جربتُ ذاكرتي معها من بعدكَ..فخانت الذاكرة الأشياء..
أعلم انني ماأنفكيت أعشقكَ..أذكركَ..مازلت أستيقظ كل وقت لأشعر بجلوسك عند اطرافي..بتمتماتك على اذني"أستيقضي ياشمسي"..لكن لماذا اليوم أشتياقي فرحاً..كنت أذكرك فإذا ضاق بي المكان حادثت صديقي فضل و انهرت خوفاً باكياً..كان شوقي اليك يخيفني..نعم كنت اخشاك..كنت أخشى ان استعد لهطولك بين أحضاني فلا تأتي بإبتسامَتك الخجولة..و ماأصعب حال الطفلة مكسورة الخاطر..انسيت ماذا فعلت انت عندما كنت انتظر حافلة الرحلة الصيقية و لم ياتي؟ حملتني على كتفيك و قلت"هيك بتشوفي الجل كلياتو من فوق كتافي"..دائماً اعلم انكَ معي..لي و من اجلي..لذالك مازلت أشعر انك معي..لي و لاجلي..
أتراني عُدت اليوم لسطوري من أجلك؟
قالوا وفاء الأحبة للأحبة دين..وانا عاهدتك انكَ لو ذهبت للقدر يوماً فلن أبوح بشغفي اليكَ الا لحرفنا..ألهذا انا هنا اليوم؟؟
جمال الصبح بدأ يتنفس..عمَان ليست كبيروت..بدأتك في بيروت و بلغ شوقي ذروته في عمَان..اتذكُر ماذا كنت تُسمي عمَان؟
بدأت لبما من اجلكَ..و انتصفت ميقنتاً انه من أجلكَ..وهاأنا انتهي و لا اعلم من بث الروح في حرفي لكَ..
كُثر حولي..من أجلي..لإسعادي..لإنتشالي..لإلتقافي..الا انك مختلف..حتى إسمي بشفاهك مختلف..
"أنَوو" كما كنت تحب أن اناديك..أشتقت اليكَ......