إنفـــرادات جبــران ..
كنت اسمع كثيراً ان ثمة عفاريت تكون قرينة للمرء تُملي عليه مايكتب ماان تدق صافرة الشغف معلنة عن رسوها على شواطئ القلم و داعية لتفريغ مكنوناتها على المداد الأبيض..كان العم ابووسام,رجل سبعيني يمتلك مكتبة في أزقة صيداء القديمة عملت لديه لخمس سنوات,اذا قرأت له كتاب ولم يفهم مايريد الكاتب البوح به يغير من جلسته ثم يقول بعد ان ينفث دخان سيجارته"قطعي هالجملة بيكون صاحبه راكبو عفريت ساعة ماكتبه!!"كنت أتمنى لو أن لي قرين من الجن يملي علي ماأكتبه..أنطوان عندما سألته مره ان كان له قرين غُشيّ عليه من الضحك..
في تشرين2003 طُلب منّا في الجامعة إعداد مشروع مصغر لا يتجاوز العشرين صفحة..كان البحث عن فكرة بحجم "أنا هنا" متعب و مؤرق..خصوصاً في الأدب الإنجليزي..كانت العادة تأخذنِ دائماً بتجاه شكسبير و ديكنز و ملتون و درايدن و غيرهم من ماكان زملاء الجامعة يرددون..لكن ماان أبدأ بالبحث عن مراجع لأفكاري أشعر بسطحية ماأقدم!
في أول مرة أخبرت فيها انطوان انه وقع اختياري على فكرة دعى كل أصدقائنا على حفلة شواء على البحر..و في المرة الثانية اجتمعنا في الروشن..و مع توالي المرات كان الإحباط في ان ابقى على فكرة حتى اللحظة الاخيرة قد تمكنّ من انطوان و بقية رفاقِ.. لربما انا ساخطة عادة على ذاتي..
في الساعة الحادية عشر من نهار الرابع و العشرين من تشرين هربت من الجامعة بعد ان ضاق المكان باللمسات الاخيرة لأفكار زملائي..تحدثت لأنطوان مستائة و كالعادة التقطني من صوتي..طلب مني ان نتقابل في الجريدة..
وفي أحد الممرات المؤدية الى مكتب انطوان..كان جبران يهم بالصعود الى مكتبه..وجيوش الهم تنهزم امام ابتسامة جبران النقية..لجبران وهج مختلف خصوصاً لدى جيلنا نحن الشباب..
اخذنا نتحدث فسألني عن ماتوصلت اليه في شأن مشروع الجامعة..أخبرته انه نتيجة لإحباطاتي المتكررة قررت ان اكتب عن شكسبير و ان هذه من أكثر الأفكار رواجاً و يسهل البحث فيها..ابتسم و اخذ يدي فتبعته..
دخلنا احد المكاتب فإذا بشخص يٌعرفني عليه جبران..قال هذا شاب متدرب لدينا..التحق منذ شهر بالجريدة..هو فنان كاريكاتير!لم أستوعب شيئاً من الأمر..سأله جبران هل من جديد هذا الأسبوع..فرد الشاب على حياء:"لا بعد لهلا"..ابتسم جبران وقال:"بس قَلِّت الصور الي على التبلو"فقال الشاب:"يمكن راح وصل على مطرح"..
خرجنا من مكتب ذالك الشاب و لم افهم شيء بالمرة..سألت جبران بمجرد ان اغلق باب مكتب ذالك الشاب عن مغزى مافعل؟!
اخبرني جبران ان هذا الشاب قضى اول يوم في العمل و هو يثبت رسوم كاريكاتير لمختلف الرسامين على اللوحة التي أمام مكتبه!و بالفعل لفتني حينها رسومات لستافرو جبرا و علي فرزات و غيرهم..بالمناسبة كان علي فرزات في ذالك الوقت من المقربين لبشار الأسد كما يشاع ومع ذالك لم يمنع جبران هذا الشاب من وضع رسوماته داخل مؤسسة النهار او ان يمنع توظيف الشاب رغم انه من المعجبين بفرزات!!جبران يعشق التضاد..
المهم..سألت جبران عن ماإذا كان يريد مما فعل ان ينقل لي نموذجاً لشابٍ شغوف! ابتسم واخبرني أن هذا الشاب وضع هذه الرسومات أمامه و ماأن يبدأ برسم فكرته يقوم بتمزيقها و معها يمزق أحد الرسومات التي على اللوحة..وعندما سأله البعض عن السبب أخبرهم أنه اذا تبلورت الفكرة لديه على الورق لمسّ تشابه بينها وبين أحد الرسومات القابعة أمامه..عندها يقوم بتمزيق لوحته و مايشك انها تماثل فكرته..والسبب انه يبحث عن ولادة فكرة وليس عن تربية أفكار!!
نظر الي جبران فقال"فكرتك ملكك..مغفايه بمطرح مابيعرفه غيرك..أفكار غيرك مش ملكك..بدك تتعبي ع شي إلك أو ع شي لغيرك؟!"
أذكر ان حينها شعرت ان جبران انتشلني من شيء ما..هكذا هو جبران..مشكاة ضوء تنير البصائر و ليست الأبصار فحسب..
اذكر اني مكثت يوماً كاملاً في مكتبة العم أبو وسام..لم أتحدث سوى لأفكاري و لم أسمع سوى صرير الشجرة الكبيرة خارجاً كلما هبت عليها شيئاً من رياح تشرين..لم أخرج حينها الى الضوء إلا بعدما أمتلأت أكوام الجليد أمامي بأفكاري..فكتبت يومها في الأدب الأنجلوساكسوني و ملحمة بيوولف..
كم أشتاق و الجميع لإنفرادات جبران...
في تشرين2003 طُلب منّا في الجامعة إعداد مشروع مصغر لا يتجاوز العشرين صفحة..كان البحث عن فكرة بحجم "أنا هنا" متعب و مؤرق..خصوصاً في الأدب الإنجليزي..كانت العادة تأخذنِ دائماً بتجاه شكسبير و ديكنز و ملتون و درايدن و غيرهم من ماكان زملاء الجامعة يرددون..لكن ماان أبدأ بالبحث عن مراجع لأفكاري أشعر بسطحية ماأقدم!
في أول مرة أخبرت فيها انطوان انه وقع اختياري على فكرة دعى كل أصدقائنا على حفلة شواء على البحر..و في المرة الثانية اجتمعنا في الروشن..و مع توالي المرات كان الإحباط في ان ابقى على فكرة حتى اللحظة الاخيرة قد تمكنّ من انطوان و بقية رفاقِ.. لربما انا ساخطة عادة على ذاتي..
في الساعة الحادية عشر من نهار الرابع و العشرين من تشرين هربت من الجامعة بعد ان ضاق المكان باللمسات الاخيرة لأفكار زملائي..تحدثت لأنطوان مستائة و كالعادة التقطني من صوتي..طلب مني ان نتقابل في الجريدة..
وفي أحد الممرات المؤدية الى مكتب انطوان..كان جبران يهم بالصعود الى مكتبه..وجيوش الهم تنهزم امام ابتسامة جبران النقية..لجبران وهج مختلف خصوصاً لدى جيلنا نحن الشباب..
اخذنا نتحدث فسألني عن ماتوصلت اليه في شأن مشروع الجامعة..أخبرته انه نتيجة لإحباطاتي المتكررة قررت ان اكتب عن شكسبير و ان هذه من أكثر الأفكار رواجاً و يسهل البحث فيها..ابتسم و اخذ يدي فتبعته..
دخلنا احد المكاتب فإذا بشخص يٌعرفني عليه جبران..قال هذا شاب متدرب لدينا..التحق منذ شهر بالجريدة..هو فنان كاريكاتير!لم أستوعب شيئاً من الأمر..سأله جبران هل من جديد هذا الأسبوع..فرد الشاب على حياء:"لا بعد لهلا"..ابتسم جبران وقال:"بس قَلِّت الصور الي على التبلو"فقال الشاب:"يمكن راح وصل على مطرح"..
خرجنا من مكتب ذالك الشاب و لم افهم شيء بالمرة..سألت جبران بمجرد ان اغلق باب مكتب ذالك الشاب عن مغزى مافعل؟!
اخبرني جبران ان هذا الشاب قضى اول يوم في العمل و هو يثبت رسوم كاريكاتير لمختلف الرسامين على اللوحة التي أمام مكتبه!و بالفعل لفتني حينها رسومات لستافرو جبرا و علي فرزات و غيرهم..بالمناسبة كان علي فرزات في ذالك الوقت من المقربين لبشار الأسد كما يشاع ومع ذالك لم يمنع جبران هذا الشاب من وضع رسوماته داخل مؤسسة النهار او ان يمنع توظيف الشاب رغم انه من المعجبين بفرزات!!جبران يعشق التضاد..
المهم..سألت جبران عن ماإذا كان يريد مما فعل ان ينقل لي نموذجاً لشابٍ شغوف! ابتسم واخبرني أن هذا الشاب وضع هذه الرسومات أمامه و ماأن يبدأ برسم فكرته يقوم بتمزيقها و معها يمزق أحد الرسومات التي على اللوحة..وعندما سأله البعض عن السبب أخبرهم أنه اذا تبلورت الفكرة لديه على الورق لمسّ تشابه بينها وبين أحد الرسومات القابعة أمامه..عندها يقوم بتمزيق لوحته و مايشك انها تماثل فكرته..والسبب انه يبحث عن ولادة فكرة وليس عن تربية أفكار!!
نظر الي جبران فقال"فكرتك ملكك..مغفايه بمطرح مابيعرفه غيرك..أفكار غيرك مش ملكك..بدك تتعبي ع شي إلك أو ع شي لغيرك؟!"
أذكر ان حينها شعرت ان جبران انتشلني من شيء ما..هكذا هو جبران..مشكاة ضوء تنير البصائر و ليست الأبصار فحسب..
اذكر اني مكثت يوماً كاملاً في مكتبة العم أبو وسام..لم أتحدث سوى لأفكاري و لم أسمع سوى صرير الشجرة الكبيرة خارجاً كلما هبت عليها شيئاً من رياح تشرين..لم أخرج حينها الى الضوء إلا بعدما أمتلأت أكوام الجليد أمامي بأفكاري..فكتبت يومها في الأدب الأنجلوساكسوني و ملحمة بيوولف..
كم أشتاق و الجميع لإنفرادات جبران...