الجمعة، 13 يناير 2012

لقائـــــــي بجــــــاد..لقائــــــي بالماضي..

يالعبثية القدر المجنون و يالجنون القدر حينما يعبث بنا..تَراه يُسقِط علينا كماً من الصدف..تأسُر فكركَ للحظات فيتوارى ادراكُكَ خلف بعض اللحظات..ترى الصُدف ماهي الا أصدافٌ بحرية نُظِمت بخيطٍ واحدٍ لتَحيك قطعة الحاضر بخيوط الماضي فإذا هبّت عليها رياح القدر تلاطمت اجراسُها فما سَمِعتَ منها الا مااستفز ماضيٍ بداخلكَ لتستنجد دون جدوى بحاضركَ..إن اتقنت فن الهروب عن ماحولك من عوالمٍ و شخوص ما اتقنت التواري عن مصادفةِ ذكريات الماضي على جنباتِ طُرقات الحاضر..الذكرى نفسُ الماضي و الحاضر روح الماضي..ليست ثمة روح دونما نفس!
انتقلت للعمل في الجزائر..انا أؤمن انه كلما ابتعدت عن مركزك تحررت من جاذبية الأشياء المؤلمة اليك..مركزي وطني..وطني موطن ألامي..
مع وصولي الى هنا و كل طاقم العمل يُتمتم اسمه بين الشفاة صباحاً مساءً..و الجميع يترقب وصول العميل الجديد,رسالة بريدية منه,فاكس من مكتبه في فرنسا..الجميع متلهف للقاء العميل الجديد..أما انا فلم اكترث للموضوع ابداً..لم يتعدى اهتمامي حدود وضع بريدي على وضعية"اون لاين"طيلة اليوم لأبقى على اتصال مع العميل الغامض!كنت أُنزلُ عليه كماً من الشتائم اذا ماوصلني على هاتفي المحمول و انا غارقة في النوم رسالة تنبيه بوصول ايميل جديد فإذا تفقدت صندوق رسائلي وجدتها ليست من المصدر المرتقب!عادةً في عملنا وصول العميل يعني اجلاء الصورة بالنسبة لنا في كثير من الأمور لعل ابرزها مدة اقامتنا في مكان ما..فالقاء الأول يجعلك اكثر دراية بنفسيات الأشخاص!
في الطريق للقاء العميل كنت اتواصل مع اناس لا اعرفهم على شبكات التواصل..بالمناسبة كنت لا ارد على مايَرِد على هاتفي المحمول من رسائل من أصدقائي و السبب اشتياقي لهم..مازلت احتفظ بالعادة السيئة كما يسميها صديقي مار!كنت بالفعل اتمنى ان لا اتفق مع العميل الجديد كي انهي عملي بالكامل و اعود الى وطني..فكرنا في الموضوع ملياً انا و اصدقائي..من الخطأ ان تتمنى الأسوء لكن احياناً الأسوء قد يكون الافضل!
عند وصولي و تعبئتي لإستمارة الدخول لم افكر للحظة و احدة ان اتأمل توقيع صاحب الشركة!و بمجرد دخولي باب مكتبه للقائه علمت اني دخلت الى الماضي من أوسع ابوابه!!
نعم..كان جاك هو جاد..الكاف لم تكن كافية لغلق ابواب الماضي جملة واحدة!!
جاد صديق قديم..اعرفه منذ معرفتي لكل شيء في الحياة..اعرفه منذ ان عرفت الحياة..بالمناسبة لا تختصر الحياة في شخص واحد..الأحادية عادة تنسف الكلية اذا تبددت!
جاد أكبر مني بتسعة سنوات..كل اصدقائي هم أكبر مني سناً..لم افكر مرة لماذا لا أملك صداقات حقيقية مع من هم في سني؟!المهم جاد كان من سكان بنت جبيل و انتقلت عائلته الى صيدا بعد ان توفى والده إبان الحرب الأهلية أيام حادثة البوسطة..توفى والده صغيراً بعد قصة حب عظيمة مع والدته لينتهي بهما الحال الى الزواج في سن مبكر..دائماً كان جاد يغضب و يترك المدرسة اذا قدمت و الدته لتسأل عنه في المدرسة و السبب ان المدرسون كانوا يُنمقون الحديث مع والدته الجميلة ظانين انها أخته او قريبته و ليست والدته..عادة كنت أجلس مع انطوان مقابل البناية التي نسكنها و يبدأ في تسميع ماحفظته من مواد..كنت اكره المواد العلمية!فإذا وصل جاد حرضني بحديثه على الإستذكار فتبدأ الموشحات من انطوان في المستقبل بينما يواصل جاد المسبات على المستقبل فلا ينفض الحديث سوى بتدخل جدتي تنادي من اعلى الشرفة مبتسمةً"هالشباب راح يضيعوكِ"..كان جاد اكثرنا فكاهة و اكثرنا بكاءً على استحياء..جاد ابسط من تعقيدات الحياة كما قال عنه بيار الجميّل رحمه الله عندما التقينا اخر مرة في قهوة القزاز و اخبرنا بيار بأننا سننزل في مظاهرة من أجل ثورة الأرز..يومها رفض جاد النزول و قال لبيار هذا مضيعة للوقت..ليرد بيار بما رد..
جاد من الأشخاص المندفعون اذا رأيتهم حسبت الدنيا مبلغ هَمِهِم لكنه ليس كذالك..جاد قد يكون أطيب قلب من الحياة لذا تماماً مثلما كتب على يدي في تشرين 2000 في سهرة عيد ميلاد حبيبته ساندرا "الحياة أكبر مني..الحياة تغار منا"..كان جاد بيت سر المجموعة,ملاذ دمعاتهم و صدى ابتساماتهم..بالمناسبة مازلت ممتنة له حينما سهر لجانبي في مادة البيولوجي..مازلت عند رأيي فلدى جاد قدرة على توصيل المعلومة أفضل من تعقيدات انطوان..لا اظن ان انطوان كان يغضب من ذالك لانه يعلم انني ماعشقته الا لتعقيداته..كنا أعذب علاقة عرفتها جنبات صيداء القديمة..كنا لا نمل المشي من قلب صيدا و حتى فندق السفير قديماً..كنا نجلس بالساعات على جسر قلعة صيدا البحرية..نتحدث في كل شي..السياسة,الثقافة,الحب ,الطموح,اليوم و الغد..ببساطة كنا نتحدث لدُنيا وعنها..
دائماً كنت اغضب من تفكير جاد بالإغتراب و بمجرد ان أصل الى البيت يهاتفني فلا يتحدث بالمرة و بمجرد ان اخرج من بوابة الجامعة باحثة عن انطوان أجد جاد همو من قدم الي بدلاً من انطوان و في الطريق كان يدير التسجيل على اغنية سلوى القطريب"شوفيه خلف البحر" فلا نصل الى صيدا الا وقد إلتمست العذر لجاد و ان لم اقتنع به!
في2005ومع تدهور الوضع في البلاد بدأت اوضاع جاد في التدهور و السبب اغلاق المكتب الذي يعمل فيه جاد..ولان جاد يعمل في الإقتصاد و التجارة كان من الصعب توفير عمل في وقت قصير..كان جاد يتواجد معنا في ساحة الشهداء بشكل متواصل رغم انه لم يكن ذو اهتمام بالنشاطات الحركية و ظل يسخر من حماستنا..كان يردد كثيراً"لبنان بيفرح اكتر بلا هالاضرابات"..رغم ان جاد يعشق لبنان بشكل جنوني الا انه لم يكن يُعبّر بالطريقة التي نُعبّر نحن بها..كان تشيع الرئيس رفيق الحريري هو اخر نشاط نزل فيه جاد معنا الى الشارع..
في مثل هذا الوقت تماماً..في شباط 2005 كنا مجتمعون لدى فضل في بيته..كان جاد و ساندرا متخاصمان..فجأة وقف جاد في المنتصف..وضع يداه خلف ظهره كما كان يفعل دائماً ثم قال"السفارة الفرنسية وافقت على تأشيرة السفر".
في البداية ظن الجميع انها مزحة كعادته او ليربك حبيبته ساندرا ثم يغشى من الضحك و على لسانه"بعدك بتحبيني"..مرت ثواني صمت علَّ ان يحدث شيء..لم يحدث شيء سوى ان ماقاله جاد هو الواقع وهذا مااكدته ساندرا لنا..و بعدها بأسبوع تقدم جاد لخطبة ساندرا تزوجا في نهاية شباط و غادرا لبنان صباح اليوم التالي..
لم نكن بعد كمجموعة أصدقاء قد تعودنا على توديع احد منا..في المطار لم نعرف الاتجهات التي نسلكها و لا الإجراءات التي تتبع..كان الأمر غريب..اما جاد فمازلت اذكر برودة اطرافه على وجهي..احياناً نحن ممتنون للحظات الأخيرة كثيراً..رغم ان جاد ظل يردد انه سيعود في اول اجازة له و انه سيتواصل معنا في حال وصوله الا انني كنت استرق اكبر قدر من الصور الأخيرة..كنت اعلم انها الأخيرة و مازلت لا اعرف لماذا..رفضت معانقة جاد في حينها رغم اني لم ابكي..ماأصعب ان يستعصي عليك الدمع..اقترب مني مار و توسل الي ان اقترب و اودعه فلعلها كانت الأخير..لم استطع..كيف لذراعين ان يحتضنا مايقارب الأثنا و العشرون سنة بكل مافيها! حتى جاد لم يقدر على ذالك..اقترب الي همس بأنه سيعود ولم تعد من حينها اعيوننا تلتقي!
تواصلنا مع جاد قدر المستطاع لتبدأ اخباره تشح يوماً بعد يوم حتى نضبت و جفت..انقطعت  كل سبل التواصل معه..او كما كان انطوان يقول" الدنيا قررت ان تفتح على الصفحة التانية"!
كلما مرّ حدث على لبنان كنت اتوقع معه عودة جاد..اغتيال جبران او بيار مثلاً او بالتأكيد استشهاد انطوان الا ان كل التوقعات كانت تذهب ادراج الريح!
كل ماكتبته الان كتبته انفاسي التي اضطربت منذ ان رايت جاك يقف خلف المكتب على عجل ليقوم بمصافحتي كتصرف بروتوكولي..الا ان جاك تسمر في مكانه و انا كذالك..حينما احتضنت جاد ادركت مامعني ان تحضن الدنيا..شعرت ان كل حياتي الثمانية و العشرون كلها تتلاطم بين اذرعي..اني احتضن الجميع..
تحدثنا في كل شيء و عن كل شيء و المضحك ان جاد مازال يحتفظ بصورة تجمعنا على مرفأ بيروت في محفظة نقوده..جميل وفاء الرجال..عذب شوق الأخلاء..
كانت تمر ثواني نصمت فيها ثم نرقب اعيوننا ثم نغرق في موجة ضحك دامعة..بالمناسبة مازال جاد يدعي ان عيناه تجفان فجأة!و بالمناسبة ايضاً مازلت انا من تنقل الأخبار المؤلمة..انهار جاد لسماعه خبر استشهاد انطوان..
الحديث الى جاد مازال كما هو..مريح و و اضح الملامح..كثير من الأمور كانت مبعثرة لديّ الا انها ترتبت بمجرد ان بوحي بها لجاد..ورغم ان وجودي و جاد على ارض واحدة أصبح امراً صعباً الا اننا لم نطل الوقوف كثيراً عند هذا الشأن تماماً كما اننا لم نُضع الوقت في عتاب بعضنا..فأنا ايضاً هربت من لبنان بعد اغتيال انطوان..احياناً وطنكَ ألمكَ..ومع ذالك اتفقنا انا و جاد على ان يكون اللقاء الجديد في بيروت و مع كل الأصدقاء و سيجلب ساندرا و ابنيه..ماريو و انطوان..ابنه البكر اسمه انطوان ايضاً..الم اقل بان وفاء الرجال أعذب..



الأربعاء، 19 أكتوبر 2011

إنفـــرادات جبــران ..

إنفـــرادات جبــران ..

كنت اسمع كثيراً ان ثمة عفاريت تكون قرينة للمرء تُملي عليه مايكتب ماان تدق صافرة الشغف معلنة عن رسوها على شواطئ القلم و داعية لتفريغ مكنوناتها على المداد الأبيض..كان العم ابووسام,رجل سبعيني يمتلك مكتبة في أزقة صيداء القديمة عملت لديه لخمس سنوات,اذا قرأت له كتاب ولم يفهم مايريد الكاتب البوح به يغير من جلسته ثم يقول بعد ان ينفث دخان سيجارته"قطعي هالجملة بيكون صاحبه راكبو عفريت ساعة ماكتبه!!"كنت أتمنى لو أن لي قرين من الجن يملي علي ماأكتبه..أنطوان عندما سألته مره ان كان له قرين غُشيّ عليه من الضحك..
في تشرين2003 طُلب منّا في الجامعة إعداد مشروع مصغر لا يتجاوز العشرين صفحة..كان البحث عن فكرة بحجم "أنا هنا" متعب و مؤرق..خصوصاً في الأدب الإنجليزي..كانت العادة تأخذنِ دائماً بتجاه شكسبير و ديكنز و ملتون و درايدن و غيرهم من ماكان زملاء الجامعة يرددون..لكن ماان أبدأ بالبحث عن مراجع لأفكاري أشعر بسطحية ماأقدم!
في أول مرة أخبرت فيها انطوان انه وقع اختياري على فكرة دعى كل أصدقائنا على حفلة شواء على البحر..و في المرة الثانية اجتمعنا في الروشن..و مع توالي المرات كان الإحباط في ان ابقى على فكرة حتى اللحظة الاخيرة قد تمكنّ من انطوان و بقية رفاقِ.. لربما انا ساخطة عادة على ذاتي..
في الساعة الحادية عشر من نهار الرابع و العشرين من تشرين هربت من الجامعة بعد ان ضاق المكان باللمسات الاخيرة لأفكار زملائي..تحدثت لأنطوان مستائة و كالعادة التقطني من صوتي..طلب مني ان نتقابل في الجريدة..
وفي أحد الممرات المؤدية الى مكتب انطوان..كان جبران يهم بالصعود الى مكتبه..وجيوش الهم تنهزم امام ابتسامة جبران النقية..لجبران وهج مختلف خصوصاً لدى جيلنا نحن الشباب..
اخذنا نتحدث فسألني عن ماتوصلت اليه في شأن مشروع الجامعة..أخبرته انه نتيجة لإحباطاتي المتكررة قررت ان اكتب عن شكسبير و ان هذه من أكثر الأفكار رواجاً و يسهل البحث فيها..ابتسم و اخذ يدي فتبعته..
دخلنا احد المكاتب فإذا بشخص يٌعرفني عليه جبران..قال هذا شاب متدرب لدينا..التحق منذ شهر بالجريدة..هو فنان كاريكاتير!لم أستوعب شيئاً من الأمر..سأله جبران هل من جديد هذا الأسبوع..فرد الشاب على حياء:"لا بعد لهلا"..ابتسم جبران وقال:"بس قَلِّت الصور الي على التبلو"فقال الشاب:"يمكن راح وصل على مطرح"..
خرجنا من مكتب ذالك الشاب و لم افهم شيء بالمرة..سألت جبران بمجرد ان اغلق باب مكتب ذالك الشاب عن مغزى مافعل؟!
اخبرني جبران ان هذا الشاب قضى اول يوم في العمل و هو يثبت رسوم كاريكاتير لمختلف الرسامين على اللوحة التي أمام مكتبه!و بالفعل لفتني حينها رسومات لستافرو جبرا و علي فرزات و غيرهم..بالمناسبة كان علي فرزات في ذالك الوقت من المقربين لبشار الأسد كما يشاع ومع ذالك لم يمنع جبران هذا الشاب من وضع رسوماته داخل مؤسسة النهار او ان يمنع توظيف الشاب رغم انه من المعجبين بفرزات!!جبران يعشق التضاد..
المهم..سألت جبران عن ماإذا كان يريد مما فعل ان ينقل لي نموذجاً لشابٍ شغوف! ابتسم واخبرني أن هذا الشاب وضع هذه الرسومات أمامه و ماأن يبدأ برسم فكرته يقوم بتمزيقها و معها يمزق أحد الرسومات التي على اللوحة..وعندما سأله البعض عن السبب أخبرهم أنه اذا تبلورت الفكرة لديه على الورق لمسّ تشابه بينها وبين أحد الرسومات القابعة أمامه..عندها يقوم بتمزيق لوحته و مايشك انها تماثل فكرته..والسبب انه يبحث عن ولادة فكرة وليس عن تربية أفكار!!
نظر الي جبران فقال"فكرتك ملكك..مغفايه بمطرح مابيعرفه غيرك..أفكار غيرك مش ملكك..بدك تتعبي ع شي إلك أو ع شي لغيرك؟!"
أذكر ان حينها شعرت ان جبران انتشلني من شيء ما..هكذا هو جبران..مشكاة ضوء تنير البصائر و ليست الأبصار فحسب..
اذكر اني مكثت يوماً كاملاً في مكتبة العم أبو وسام..لم أتحدث سوى لأفكاري و لم أسمع سوى صرير الشجرة الكبيرة خارجاً كلما هبت عليها شيئاً من رياح تشرين..لم أخرج حينها الى الضوء إلا بعدما أمتلأت أكوام الجليد أمامي بأفكاري..فكتبت يومها في الأدب الأنجلوساكسوني و ملحمة بيوولف..
كم أشتاق و الجميع لإنفرادات جبران...

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

سأكتبـــــــــني..

سأكـتبــــــــــني..

أعلم أن ثمة أشياء تبعدني عن ذاتي لوقت و أشياء أخرى لا تُشبِهها تعيدني اليها من جديد..قديماً كنت لا اخلد الى سريري قبل أن أمد جسدي المثقل على السطور لتحمل عني مايرعب عيناي..سطوري تطرد سهدي بعيداً..

أنا ابسط بكثير من كل مااعرفه..كل ماأمتلكه..او بالأصح انا ابسط من ماحمّلني القدر..قدري الفريد..وكم اعشق قدري..
رغم إيماني ببساطة ماأعرف الا انني أخشى البوح به علانية لسطوري..انا طالبة في مدرسة المكاشفة التامة مع الحرف..إما أن اتعرى كاملة
أمام حرفي أو ستخجل الحروف مني و تدير ظهرها اليَ..وويلي على من أدرات الحروف ظهراً اليه..
منذ قرابة الستة سنوات و انا و الحرف في مغازلة و ملاطفة كما كان يقولها لي صديقي جهاد..
جهاد كان أحد الأصدقاء في جريدة النهار..خاطبني مرة أثناء زيارتي الى لبنان في تشرين 2008..ألتقينا حينها في قهوة الزجاج بصيدا..كان يتحدث عن أحد المدونات التي عرضت عليه ان يكتب شيئاً عن جبران تويني في ذكرى استشهاده..و بدأنا انا وهو بجرد الذكريات..فجأة برد المكان و خـَفت الضوء..انخفض صوت ام كلثوم و ضاعت أصوات الأشخاص..غرِقنا انا و هو في ذكرياتنا مع جبران..جمعتنا قهوة الزجاج كثيراً..أذكر ان ليلتها رأيت دمعة جهاد على خده شوقاً لجبران..لا نعرف حتى هذه اللحظة كيف حملتنا أقدامنا خارج المكان هرباً من ذواتنا..وصباحاً وجدت رسالة على جهازي..كتب جهاد:"قدرنا وضعنا في طريق جبران و جبران ليس على طريقنا الأن..انانية أن يتحدثون هم عنه و نحن مازلنا نهرب منه".
على طريق المطار كانت أصوات أصحابي ممزوجة بإبتسامات مزيفة بتً أعرفها تماماً في كل مرة أودع فيها بيروت..الا ان جهاد لم يتفوه بكلمة..اعتدت ان اركب الطائرة و في اذني صوت مهاتراته على كل لوحة من لوح الإعلانات التي تحجب طريق المطار..
في المطار همس الي:"أكتبي و لا تقتلي شوق حروفك لجبران و أصدقائنا..ان اغتالوهم من ساحة الحرية فلن نغتالهم نحن من ساحة الحرف".
اليوم..حدثني جهاد من باريس..كعادته الجميلة..ومع الحديث سألني على حين غفلة "هل مازلتي جبانة؟"..أقرأ جهاد أكثر من ذاته..ورغم ذالك تجاوزت سؤاله..ويالعناد جهاد..
لا يقتنع أصحابي اني مازلت أعيش كل من رحل..مازلت حتى الأن لا أطيق فكرة الموت و لو من باب النكتة..مازلت حتى اليوم لاأقدر على المكوث في بيروت لأكثر من اسبوع دون عمل يلهيني عن تفاصيلها..لا زلت أباعد بين خطواتي اذا مررت بجوار قهوة الزجاج..مازال صدري يضيق كلما مررت بالحرية..مازال مشهد جبران و بيار و صديقي بوشاحهم الأبيض بالأحمر على أكتافهم قابع أمام عينيّ كلما أجبرتني الخطوات على المرور بساحة الحرية او ساحة النجمة..أعلم انه جنون..لكن لا أكترث لكل مايقوله أصدقائي عن جنوني..
أتخيل كثيراً حياتي لو أن القدر لم يضعني بطريق صديقي انطوان و لم يأخذني معه ذالك المساء الى عالمه..عالم الوطن..عالم تضحيات جبران و سمير و قصير..عالم انطوان..
دائماً ابدأ من جديد لإرضاء خوف اصدقائي عليَ..بالمناسبة لاأحب ان يخاف أحد عليَ..ان أعيش بذكرى و لذكرى من أحب ليس مرعباً..دائماً ابدأ من جديد الا انني في لحظة سهونة أعود الى حطامي سريعاً..لماذا نستغرق وقتاً اطول اذا ماقررنا ان نقف للحياة من جديد بينما لا نأخذ ثواني عندما نقرر ان نتهاوى؟
سأبوح بسر..لا أكتب عن حياتي او عن مواقف جمعتني بأشخاص ليس خوفاً من لملمت حالي بعد ان يقف نزف الحرف..لا.
انا لا أكتب لأنني ميته..منذ سنة الإغتيالات انا ميته..هذا عدا انني لو كتبت عن أصحاب الزمن الجميل فسأمجد القدر الذي جمعني بالمصادفة بهم..وكيف أمجد القدر و هو من أختطفهم مني..هل أعتدنا ان نمجد من يسيء الينا؟!
مايحملني دائماً على الفخر بحياتي و مالفها من تعب و معاناة وانا أخبر شيئاً مني لشخص أتعرف عليه حديثاً هو اني في النهايات أحمل في رزنامة حياتي ذكرياتي مع أشخاص صنعوني بكرمهم..حبهم ..حنانهم و صدقهم..انتشلوني بجنونهم و شغفهم..أيقضوا الحلم في عيني العانيتين..
ربما أصبحت أقدر على إدعاء انني اليوم أكثر جرأة على الحديث عن حياتي مع انطوان رغم غيابه..أصبحت قدماي اكثر تشبثاً بالأرض وانا أقف على ضريحه..أصبحت أقدر على ضبط سيل دموعي وانا أرى العظيمة مي شدياق وهي تصافح الجميع في ذكرى القوات الأخيرة..أضحيت أكثر قسوة وانا أسمع مهاترات من يستسخف قضيتي..و قضية كل لبناني ضاقت العدالة بقضيته ذرعاً..اليوم أنا أقوى عندما اتحدث عن مصادفات زمني الجميل و ان سلبوا مني ارادتي في العيش..فحروفي غداً عن اصدقائي ليست نفساً اعيش به و انما صرخة..فانا اعترف ان بعضي مازال يقبع تحت ركامي وان حاول الجميع من حولي انتشالي بمحبتهم التي تعمرني وان كنت بتطرفي المعهود عني اهدم شيئاً مني..
أصدقائي..قررت ان اكتب صرختي..او لأكون قوسية كما عهدتموني سأحاول ان أكتبني..أحبكم......

الخميس، 6 أكتوبر 2011

هَــذَيــَــــــــــان..


هَــذَيــَــــــــــان..

هَجرتُها منذ أخر وقفاتي هناك..حيث الأشياء التي تُشبِهَنَي..حيث مراتع التلعثم،حدائق البرائة،غابة الجنون،سهول النضج و أنهار العشق و أضرحة المحبين التي مازالت ضاربةً في أحضاني بقوتها الصاخبةِ التي تنعش كل أجزائي..فبالحب جِئـتُ و له عِشتٌ و من أجله سأفنى..
هجرتُ السطور و الكلمات و حملني الحرف معه رحلةً لا تمل و لا تكل.. أفتش عنه مع الأخر مكملاً جماليته..أيا يكن هذا الأخر..لا أعلم متى مواعيدي معه..أتعلثم مازلت ان سألني أحدا متى يراني من جديد متصالحة معه..لا أخشى الرقص معه على نغمات الماجدة..فكلماتي ككلماتها مع نزار..وليدة اللحظة لا تعلم متى بُثت فيها الروح و لا متى سيشهدُ العالم اول صرخاتها..أجهل تاريخ عودتي القادمة اليها..حروفي كبيروت..تغضب مني..تأخذني في حضنها شغف عاشقين و ماأن أستنشق الصعداء أعود لحياتي في بقعة بعيدة..لا اعود لها إلا بحزنٍ او وقوفٍ على أطلال الحاضر..ماأقسى أجحاف المحبين على كراسي اللقاء الاول..
هَجرتُها لفترةٍ ظننت فيها انني لن أُفرق ان عدت من جديد اليها هل سأتذكر فلسفة أنطوان في النقاط..هل سأذكر جمالية زغيب في فنون الإسقاطات..هل سأميز بين التاء المربوطة و المفتوحة كما فندها بيار..لكني مشتاقةٌ اليها وحسب..تماماً كمن تضطره الحرب ان يهجر مدينته المدمرة..نعم حروفي الأخيرة كانت كمدينة مدمرةٍ فهجرتُها..و اليوم أعود اليها..لكني لا افتش عن المدينة و حسب..افتش عن ساكِنيها..كعاشق مهاجر عَتق دمعته بشوقه لحبيبته حيناً و بطينة أرضه حيناً أخر..
كل المهاجرين ان سألتهم متى العودة يتلعثمون..يجهلون متى العودة للوطن كجهلهم متى يعودون لتراب..التراب هو الوطن..الحرف هو الوطن..
لم أعلم ان عودتي ستكون اليوم..مطاري هذا المساء..كل ماأذكره اني أدرت المسجلة على مقطوعة ريتشارد كلايدرمان..أزحت البردة على رقصات نسمات أخر المساء..فتحت جهازي المحمول..و انهالت أناملي كقبلاتٍ على أزرارِ جهازي..منذ زمن لم أكتب بهذا الصخب..بهذا الإندفاع..كلما على رِتم الموسيقى زادت قبلاتي و كلما هدأ رتمها حن شغف قبلاتي..أنا كماءٍ سدَ طريقه فجأةً صخرةً حبست ثورته من خلفها..و بصلواته لرب زاحت هذه الصخرة فندفع يميناً و شمالاً..بعنفوانه..بشفافيته و بصدقه..ماأجمل ان تهجر الحرف وقتاً لتعود اليه و كُلَكَ شغفٌ اليه..ستكتب دون تفكير..دون تنقيح..دون جاجةٍ للوقوف تكراراً..سَتنساب بصخب المجنون و حنية البرائة..يالجنوني..أطرافي ترتجف ان توقفت عن الكتابة..تَذكرتُكَ..
مازلت أرجف ماان اسمع معزوفات كلايدرمان..مازلت اضع هذا التسجيل قبل ملابسي عنما أهم بالسفر..مازلت أضع أحدهما بين ملابسي تحسباً لحرارة الشمس و الأخر أحمله في حقيبة يدي..مازال فضل يغار اذا خاطبني مساءً و انا منتشيةٌ معه..مازلت اتذكر أطرافي الراجفة..انفاسي المتصاعدة..مازلت أذكر قرصات البرد..مازلت أتذكر حرارة الكون من حولي يوم ان رقص أمامي فرحاً بحديثك عني لأصحابك علانيةً ليصمت كل من في المكان محدقين اليَ و بشفاههم أماني و صلوات..
عِشتُ معكَ..و عِشتُ من بَعدكَ..ولم أعش من قبلكَ..
عرفتُ معكَ الأشياء..و جربتُ ذاكرتي معها من بعدكَ..فخانت الذاكرة الأشياء..
أعلم انني ماأنفكيت أعشقكَ..أذكركَ..مازلت أستيقظ كل وقت لأشعر بجلوسك عند اطرافي..بتمتماتك على اذني"أستيقضي ياشمسي"..لكن لماذا اليوم أشتياقي فرحاً..كنت أذكرك فإذا ضاق بي المكان حادثت صديقي فضل و انهرت خوفاً باكياً..كان شوقي اليك يخيفني..نعم كنت اخشاك..كنت أخشى ان استعد لهطولك بين أحضاني فلا تأتي بإبتسامَتك الخجولة..و ماأصعب حال الطفلة مكسورة الخاطر..انسيت ماذا فعلت انت عندما كنت انتظر حافلة الرحلة الصيقية و لم ياتي؟ حملتني على كتفيك و قلت"هيك بتشوفي الجل كلياتو من فوق كتافي"..دائماً اعلم انكَ معي..لي و من اجلي..لذالك مازلت أشعر انك معي..لي و لاجلي..
أتراني عُدت اليوم لسطوري من أجلك؟
قالوا وفاء الأحبة للأحبة دين..وانا عاهدتك انكَ لو ذهبت للقدر يوماً فلن أبوح بشغفي اليكَ الا لحرفنا..ألهذا انا هنا اليوم؟؟
جمال الصبح بدأ يتنفس..عمَان ليست كبيروت..بدأتك في بيروت و بلغ شوقي ذروته في عمَان..اتذكُر ماذا كنت تُسمي عمَان؟
بدأت لبما من اجلكَ..و انتصفت ميقنتاً انه من أجلكَ..وهاأنا انتهي و لا اعلم من بث الروح في حرفي لكَ..
كُثر حولي..من أجلي..لإسعادي..لإنتشالي..لإلتقافي..الا انك مختلف..حتى إسمي بشفاهك مختلف..
"أنَوو" كما كنت تحب أن اناديك..أشتقت اليكَ......


الأحد، 23 مايو 2010

ذواتــي لا تشبهنــي...


أصعب مساء هو هذا المساء حيث كل الخيوط تنسحب من بين أصابعي دون أن أشعر بأي شيء..لا رجفة بيدي و لا حرارة تعتريني..لا جنون و لا سكون..لا حنين و لا هجران..لا إشتياق و لا إحتراق..لا محبة و لا كراهية..و ويل لمن لا تحمله أقدامه لميناء.. ألمح حنين الفجر و حيرة الليل..قسوة السنين و همس الماضي..لا ارى سوى بلون عينيّ العانيتان..تسكنني صرخة توصلني حيث أنت اليوم و تهجرني نسمة تحملها إليك..يستوطنني تشرين و يطفئني نيسان..أعرف كل الدروب التي كانت تَحمِلُـنا اليها خُطواتِنا الصغيرة و لا تعرفني سوى الدروب العائدة..تعرفني صناديق البريد و لا أريد ان أعرفها..أشتاق اليك و لا أشتاق..تَهجرُ أحاديثي و تختفي خلف تفاصيلي الصغيرة..تُلهِب أبتساماتي و تحجب دمعاتي..أنتظر الفجر ليهب الهوى لعله ينسيني يوماً قررنا فيه ان نكون أكبر من عُمرِنا ليرحل العمر و نحنوا مازلنا حبيسيّ ذالك اليوم..قالوا انك تتسول الهوى ان يسرقني الى حيث أُدفء ربيعي بشمسٍ جديدة..و اتوسله ان يأخذني حيث الأزرق غاب و أمشي حيث الرمل الذي يُدفء الأعشاب و يتركني لأضيع حيث كنا بعمرنا ..فقل للهوى يأخذني معك فوق تلك الجبال التي ليس لها حدود و يقيم الأسوار كما كنت تردد..أُخبرُ الهوى ان يهمس لك بأن كل التقاويم لم تعد تحتمل يديّ الغاضبتان..لا جبروت الأغاني و لا حنينها قادران على إنتشالي من حُطامنا..كنا هناك حيث قارة لا تٌتعب إلا العاشقين و اصبحنا حبيسي قارتين..ضيعتُ تراتيب حروف الإشتياق مكابرة و صرير الريح في حطامنا يردد ترانيم أسمك..نحن دنيا العاشقين هكذا كانت همساتك من بعيد بعد حيرة سكنتنا فكم من ليلة ضاقت علينا فيها الأقدار..كنت تسأل ببتسامتك الخجوله و مابال الدنيا لو زاد فيها عاشقين..فياليت حيرتنا لم تنجلي..و بقينا حبيسي سُهدِنا..ظلال وداعك مازال يسترجيني ان لا أجن و اقطع الوصل..حالي كحال كل المحطات المهجورة..لا انتظر احداً..لا اريد من ينتشلني من تخبطاتي..لا اريد من يقتلعني من يأسي..لا أريد من يوقفني حيث تصطف طوابير الحياة..لا اريد من يفتح عيناي على قَطر الحياة الذي لا تكف صافراته عن الأنين..لا أريد من يرسم لي طريق العودة منك..لا أريد من يُلبسَني معطف الأمل..لا أريد يداً حانية..لا أريد من ينفض همي و لا يطرد جرحي..لا أريد من يطفئ نار شوقي و لا يوقف رياح الهوى التي تعصف بجسدي الخاوي..لا أريد ذالك المطبب بكلماته المخدرة..فلا فجري فيروزي و لا مسائي كلثومي..ببساطه لا أريد ان أعود حيث أوصلتني الخطوات اليك..لا تَترُكَني أعود حيث أنا اليوم..لا تُخرِجني منك..لا تُسمعني حلولاً..و لا تثور من أجل أحزاني..و لا تسألني عن مسائي من دونك..و لا تخبرني عن تعبك..لا توقفني كثيرا بين ذراعاتك..فجسدي لم يعد يحتمل برودة الأيام..و أدفء كفيّ بين كفيك..فكم أحرقت من الهموم و لم يدفأن..و لا تكترث بإبتسامتي فهي بقايا من بقايا أقنعة ألبستها عنوة لثغري..و دعنا نبتعد..لا مرسى و لا منفى..لا مدينة و لا هجرة..ننسى كم هو ذاك الرقم المدون في خانة عمرنا و كم منه سيحكم تصرفاتنا..نأخذ قراراتنا بطفولة الأبرياء..لا نكترث لهم..و لا نعني بردة فعل الأيام..نهجر الأيام..نترك خطواتنا تحملنا كما كنا..نوؤد الخوف و يرقص الجنون في ليالينا..نوقد نيران شوقنا علانيةً أمام النجوم و تحت قمر لا يستدير إلا لحبٍ صادق..و سيستدير..ببساطه خذني الى هناك..و لا تُعدني فالحياة لا تريدني..او تكون معي او لا اكون..

السبت، 15 مايو 2010

بين الحيـــاد و الإلحــــاد.


قَدْ لَايَكُوْنُ جُلُوْسِي فِيْ الْرُّكْنِ الْبَعِيدِ هَذِهِ الْمَرَّةَ يَعْكِسُ حِيادّيتِيّ الَّتِيْ لَطَالَمَا أَلْبَسْتُهَا عَنْوَةً لمَوَاقِفِيّ وَ أَتَجَرَّدُ مِنْهَا بِمُجَرَّدِ انّ أَسْحَبَ هَذَا الْمَقْعَدَ الَّذِيْ تَحْمِلُنِيْ الَيْهِ تَرَسُّبَاتُ يَوْمٍ مِنْ حَيَاتِيْ..لِدَرَجِة انَّهُ مَنْ لَمَسَتة انَامَلِيْ اصْبَحَ يَعْلَمُ كَمْ مِنْ الْحيَادْ سَأَخْلَعُ وَ كَمْ كُنْتُ ارْتَدِّيْ عَلَىَ مَدَارِ هَذَا الْيَوْمِ..حِيْنَمَا تَكُوْنُ مِنَ ايديولُوجيَاتِكَ الْحِيَاد فَهَذَا لَا يَعْنِيْ بِالْقَدَرِ نَفْسهُ أَلَا تَكُوْنَ الْمُنَاصِرُ الْأَوَّلُ لِمَا تُؤْمِنَ بِهِ عَلَىَ الأقَلِّ هُنَا فِيْ الْرُّكْن الْبَعِيدِ..وَعَلَىَ الْرَّغْمِ مِنْ انَّنِيْ مِنَ تَلَامِذَةِ جُبْرَان الَّذِيْنَ يَمُوْتُوْنَ مِنَ أِجْلِ أَفْكَارِهِمْ كَما يَقُوْلُ عَنَّا الْجَدِّ غَسَّانَ إِلَا انَّنِيْ اشْعُرُ انّ هُنَاكَ ثَمَّةَ خَيْطٌ رَفِيْعٌ يَفْصِلُ الْحِيَادْ عَنْ الْإِنْتِصَارْ لأَفكَارِنا..رَحَلَتْ قَلِيْلاً مَعَ أُغْنِيَة سَيِّدَةُ الْطَّرَب وَرْدَة الَّتِيْ أُخِذْتَ تَتَرَددُّ بَيْنَ جَنَبَاتِ هَذَا الْمَقْهَىْ..فَهاهِيَ وَرْدَة لَمْ تَعُدْ تُحِبُّ وَ مَازِلْتُ لَا تَنْسَىَ..لَمْ تَزَلْ تُقَابلْ مَحْبُوْبَهَا بِالْرَّغْمِ مِنْ انَّهُمَا متَّفِقِيْنَ انّ حَدِيْثَيْهِمَا لَمْ يَعُدْ حَدِيْثُ الْقَلْبِ..مِيْثَاقَ حَبَّ الْعَاشِقِيْنَ كَمَا يَحْلُوْ لِّدَرْوِيْش تَسْمِيَتِهِ..لِأَعُودَ مِنَ رَحِلْتَيِ مَعَ أَغْنَيْتَها الَىَّ شَيْ أَعْتَرِفُ انّهُ لَا يُشْبِهُني..بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْضَّرُوْرَةِ انّ يَكُوْنَ كُلُّ مَانتَفوهُ بِهِ هُوَ نَابِعُ مِنْ الْقَلْبِ! لَكِنْ مَاشَدْنِيّ مِنْ جَدِيْدٍ الىَّ الْاغْنِيَةْ إِيَّاهَا هُوَ إِعْلَانِهَا بِأَنَّ يَخْتَارُ لَهَا الحَبيبَ ايْنَ تَرْسُوَ رَغْمَ إِنْكَارِهَا لِحُبِّهِ! وَ هُنَا أَعُوْدُ الَىَّ نُقْطَة الْبِدَايَة! فقَدْ اتْحَمّل انّ اُلْبِس كُلِ مَوَاقِفِيْ ثَوْبَ الْحِيَادْ عَنْوَةً لَكِنْ أَرْفُضْ تَمَاماً انّ يُلْبِسُنِي الْأُخَرُ ثَوْبَ الْمُسَالَمَة مَثَلا..وَ لَا تَرَوْقُ لِيَ نَظَرِيَّةُ الْتَّبَعِيَّةِ الْمُقَنَّنَةِ حَتىَ..وَ لَا أَرْتَضِيْ انّ يخْتَارُ لِيَ الْأُخَرُ ايْنَ ارِسَو..هُنَا أَعُوْدُ لِنُقْطَةِ الصفْرَ..تَحْضُرُنِي كَلِمَات صَدِيْقِيْ مَارْسِيلْ حِيْنَمَا حَاوَلَ انّ يُخَفِفُ عَنِّيْ عَنْاءَ هَذَا الْتَسَاؤُلٌ " حِيادِيَتُكِيّ لَا تَعْنِيْ تجرّدَكِيّ مِنْ أَفْكَارِكِيّ وَ لَكِنْ هِيَ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوْبِ تَقَبَّلْ الْأَخر وَ أَخَذهُ بَإسْتَرَاتِيْجِيّةٍ الَىَّ تَقَبَّلْ رَايَكْ الَّذِيْ كَانَ مِنْ بِضْعَةَ دَقَائِقَ مَرْفُوْضٌ مِنْ قَبْلِهِ!" لَكِنْ لَوْ كَانَ الْحِيَادْ بِالْفِعْلِ يَتَحَمَّلُ هَذَا الْرَايَ فَلِمَاذَا أَجْزِم بِأَنِّي اتَقَبَّلْ الْأَخَر وَ أَعُوْدُ فَأُلبِسَهُ رَأْيِيْ وَ انْ كَانَ بِكَامِلِ إِرَادَتِهِ! هُنَا تَنْتَشِلُنِيِ كَلِمَات سَمِيْر قَصِيْر " عُوْدُوْا الَىَ الْشَّارِعِ يَارِفَاقَ تَعُوْدُوْا الَىَّ الْوُضُوْحِ" فَأَعُودُ مِنْ جَدِيْدٍ الَىَّ تَنَاقُضَاتِي..مَازِلْتُ اذْكُرْ انّ قَصِيْرٌ قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ بِمُجَرَّدِ انّ عَتَّمَ جَوِّ الْحِيَادْ عَلَىَ مَوْقِفِ الْمانْضِّلِينَ فِيْ تِلْكَ الْفْتْرَة..وَ بالْتَّالِيَ فَالحَيَادِ يَعْنِيْ تَجَرُّدِهِمْ مِنْ أَفْكَارِهِمْ الَّتِيْ قَدَم جُبْرَانُ رُوْحَهُ مِنْ أَجْلِهَا وَ مِنْ أَجْلِهِمْ..وَرَغِمَ هَذَا وَ ذَاكَ لَدَي قَنَاعَة بِضَرُوْرَةِ تَقَبَّلْ الْأَخِر وَ احْتِرَامِ رَأْيِهِ مُهِمَّا يَكنْ مُغَايِرَ لِيَ..فِيْ حِيْنِ انَّهُ اصْبَحْت لَدَيَّ تَجَارِبْ تَكَفِلُ لِيَ بِأَنْ الْحِيَادْ يُسْلِبُكَ حَقِّكَ فِيْ تَبْنِيَ رَأيَكْ..وَ لِدَيَّ تَجَارِبْ تُرَسِّخُ لَدَيَّ قَنَاعَة انّ الاحَيَادِ يَعْنِيْ بِالحَتْمّيّة انَّكَ عَلَىَ خُطُوَاتٍ مِنْ مَذْبَحَةِ الْشُّهَدَاءِ..وَ أُخْلِصُ لِمَقُولَةِ هَوارِسَ" مَنْ يَعِيْشُ فِيْ خَوْفٍ لَنْ يَكُوْنَ حُراً ابَدَاً"..وَ لِدَيَّ تَسَاؤُلٌ لَحْوَحٍ بِأَنَّ الْحِيَادْ لِمَ لَا يُعَمَّمُ عَلَىَ الْجَمِيْعِ وَ انمَا يُضِلُّ فِيْ اطَارِه الْنَّظَرِيَّ طَالَمَا يَدُوْرُ فِيْ فَلَكِ الْأَخَرِ وَ ما أنَّ يَصِلُ الَيَّ عَلَيْهِ انْ يُصْبِحَ طوّر الْتَّنْفِيْذِ؟ لَا انْسَىْ كَلِمَات الْجَابِرِيَّ حِينما كَانَ يَقُوْلُ اصْبَحْنَا فِيْ عَالَمٍ إِمَّا أنْ تَكُوْنَ مُحَايِدٌ اوْ مُلْحِدٌ..لَكِنْ لَوْ كُنَّا بِالْفِعْلِ هَكَذَا ايً الْأَمْرَيْنِ سَأَخْتَارُ! أَأَقْدِمُ تَنَازُلاتٍ وَ اتَخَلَّىْ عَنْ وَلَائِي لَأَفْكَارِ جُبْرَان الَّتِيْ هِيَ أَفْكَارِيِ الْذَّاتِيَّةِ؟ أَم أَتَخَلَّى عَنْ مُسْلِمَاتٍ ادَبِيَةٍ وَ أُعْلَنَهَا أَنَّنِيْ لَسْتُ مُحَايِدَةٌ فَأَخسَرُ أَوَّلَ دّرْسّ تَلَقَّيْتَهُ عَلَىَ يدَّيْ سَمِيْرٌ؟ رَغْمَ إِيْمَانِي الْأَكِيد انّ سَمِيْرٌ و جُبْرَانَ وَجْهَانِ لِعُمْلَةٍ وَاحِدَهْ..وَ رُغْمَ انّ الْحِيَادْ وَ الْإِلْحَادِ قَارَّتَانِ يَفْصِلْهُما مُحِيْطٌ !!

الثلاثاء، 20 أبريل 2010

بِـلَا لَــذَّةٍ!!!



فِيْ هَذِهِ الْحَيَاةِ كُلُّ شَيْءٍ مَصْحُوْبٌ بِلَذَّةٍ مِنْ نَوْعٍ خَاصٍ تُضْفِيْ عَلَىَ الْأَشْيَاءِ ماتَعَجِزُ الْأَشْيَاءُ عَنْ إِضَافَتِهَا..فَلَوْلَا لَدَغَاتُ نَسَمَات أَيْلُوْلَ الْبَارِدَةَ لِمَا زَادَتْ نَشْوَتنَا بِأَمْطَارِ اوَاخِرِ أَبْرِيْلُ..وَ لَوْلَا صَوِّتُ الْرَّعْد الْصَّاخِبِ لِمَا فَتَّشْنَا عَنْ أَنْوَارِ الْبَرْقَ الْخَاطِفَةٌ..لَوْلَا عِشِقْنَا لْقارِئَةً الْفُنْجَانَ ماتَعَمدْنا انّ نَشْرَب قَهْوَتَنَا مَرَّةً..وَ لَوْلَا الْنِّسَاءِ حَوْلَ نِزَارٌ مَا تِلَذذِ نِزَارٌ بِشِعْرِهِ..هِيَ أَشْيَاءُ تُكَمِّلُ أَشْيَاء وَ فِيْ نَفْسِ الْوَقْتِ تَفْسِدُ الْأَشْيَاء مِنْ دُوْنِهَا..وَ قَدْ لَا تَفْسُدُ..لَكِنْ بِالتَّأْكِيْدِ سَتَفْقِدُ مِنْ رَوْحَانِيَّتِهَا إِنَّ شِئْتَ الْشَّيْءَ الْكَثِيْرَ..لَكِنْ مَاذَا لَوْ كُنْتَ لَا تَنْتَظِر قُدُوَم الْأَشْيَاءِ بِقَدْرِ ماتَنتَظُرِ أَنَّ تَلَمح لِذَاتِهَا..مَاذَا لَوْ كُنْتَ مِنْ مَنْ يَغُوْصُ وَ يَهْوَىْ الْأَعْمَاقِ أَكْثَرَ مِنَ الْشَّوَاطِئِ ؟ مَاذَا لَوْ كُنْتَ لَا تَتَلَذَّذُ إِلَا بِقَرَصَاتِ أَيْلُوْلَ الْبَارِدَة وَلَا يَعْنِيْكَ الْمَطر كَثِيْرَا وَ تَتَسَمَّعُ لَصَوْت الْرَّعْد وَ تُغْمَضُ عَيْنَيكَ عِنْدَ بَرْقِهِ ؟ وَ لَا تَسْتَسِيْغُ إلَا الْقَهْوَةِ الُمُرْةُ لِأنَّكَ هَكَذَا تَشَرَّبَهَا مِنْ يَدَيْهِ ؟ مَاذَا لَوْ كُنْتَ أنْتَ تَخْتَصِرُ كُلَّ نِسَاءِ قَبَّانِيَّ لنِزَارَكِ الْخَاصِّ ؟ مَاذَا لْوَكُنْتَ شِعْرِاً لِشَاعِرٍ ؟ مَاذَا لَوْ كُنْتَ انْتَ كُلَّ الْحَيَاةِ لْحَيَاةٍ انْتَ لَا تَعَنِّيكَ بِقَدَر مَاتَعَنِيّ أنْتَ لَهَا ؟ مَاذَا لَوْ اسْتَوْطَنَتَ شَخْصاً وَ كُنْتَ أنْتَ الْمَنْفَىْ وَ انتَ مَازِلْت تَسْكُنُ الْعَاصِمَة ؟ مَاذَا لَوْ أَدَرْتَ ظَهْرَكَ لِلْحَيَاةِ هِّرْباً مِنْهَا لَتَجِدَ نَفْسَكَ بِحَيَاةٍ اخْرَى بَعِيْدَةْ عَنْ كُلِّ مايُكَدّر صَفْوَكَ ؟ مَاذَا لَوْ وَجَدْتَ نَفْسَكَ أَهُمْ شَخْصٍ لَأهُمَّ شَخْصٍ ؟ مَاذَا لَوْ وَجَدْتَ نَفْسَكَ تَسْمَعُ كُلَّ الَأغَانِيْ لِأَنَّهَا تَأْخُذُكَ لِحَيْثُ يَكُوْنُ ؟ مَاذَا لَوْ وَجَدْتُ نَفْسَكَ مَعَ شَخْصٍ يَعْرِفُ أَدَقُّ الْتَّفَاصِيْلِ عَنْكَ ؟ يَعْرِفُ حُزْنِكَ..فَرَحَكَ..شَجَنَكَ..يُرَبِّيَ بَنَاتِ أفْكارَكَ..يُطَوِّقُ يَسَمِيْنَكَ وَ يَسْقِيَ الْنَّيْرُوْزَ مِنْ اجْلِكَ..يَعْرِفُ حَنِيْنُكَ الَّذِيْ احْتَارَتْ فِيْهِ فَيْرُوْزَ..يَعِيْشُكَ وَ مِنْ أَجْلِكَ يَعِيْشُ..عِنْدَهَا فَقَطْ سَتُؤَمِّنُ أنّ الْعَالَمِ الَّذِيْ تَحْلُمُ بِوِلادَتِهِ مِنْ جَدِيْدٍ قَدْ وُلِدَ..وَ هَيْهَاتَ إِنْ لَمْ تُحْسِنْ تَرْبِيَتِهِ..فَلِكُلِّ حُبٍّ عُمَرَ وَ لِكُلِّ عُمَرَ بِدَايَّةً وَ نِهَايَةُ..وَ وَيْلٌ لِقَلْبِ تَكُوْنُ نِهَايَةُ الْحُبِ فِيْ عَاصِمَتِهِ..حِيْنَهَا سَتَكُوْنُ كُلِّ الْأَشْيَاءْ بِلَا لَذَّةٍ!!